أوبرا
(بارتسفال)
لرتشارد فاجنر
Parsifal
Richard Wagner
الأوبرا الرمزية لصراع الخير والشر
بدأ فاجنر في التمهيد لهذا العمل في إبريل عام 1857 ولم ينهيه إلا بعد 25 عام ، وكان عرضها الأول في عام 1882
وكانت الأوبرا الأخيره من ضمن قائمة أوبراته ، واصفاً إياها (بالمسرحية الانتقائية لاختتام أعماله)
ويشتق إسم الأوبرا بارتسفال من اللفظ الفارسي( fal parsi) ويعني (الفتى الغرير)pure fool
وهذا ما دعى الأستاذ مصطفى ماهر إلى الإجتهاد بأن إسم بارتسفال هو تحوير للفظ (الفارس) العربي
من كتاب “موسوعة الموسيقي فاجنر ” لثروت عكاشه:
تدور أحداث أوبرا بارتسفال وسط عالمين متناقضين، أولهما هو عالم جماعة فرسان الكأس المقدسة التي تشكلت في قلعة مونسالفات من أجل حماية عقيدتهم التي لم ينخرط في سلكها من لا تتوفر فيه الفضائل اللازمة لخدمة الكأس المقدسة التي تسلمها من أحد الملائكة (تيتوريل) مؤسس هذه الجماعة
وأول ملوكها، وكانت هذه الكأس مصدراً يستمد منه الفرسان قوى خارقة للطبيعة تتملكهم حين يتأملونها خاشعين، كما كان الرمح المقدس الذي طعن به أحد الجنود الرومان للسيد المسيح رمزاً للقوى الإيجابية لعقيدتهم.
أما العالم الثاني نقيض عالم مونسالفات النابض بنقاء الفضيلة، فهو عالم الساحر كلينجسور الذي حاول الإنخراط في سلك جماعة فرسان الكأس المقدسة ليصير قديساً بعد أن بتر عضوه التناسلي ليتحرر من سطوة الشهوة الجنسية، غير أن ملك الفرسان اكتشف عدم نقاء سريرته ورفض قبوله عضواً
في الجماعة لأنه أراد أن يصل إلى العفة والقدسية عن طريق تشويه طبيعته البشرية، وقد شاء كلينجسور الثأر من جماعة الفرسان فأنشأ حديقة مسحورة احتفظ فيها بفتيات بارعات الفتنة والجمال شديدات الإغراء يحاول بواسطتهن غواية فرسان الكأس ليسقطوا في حبائل الرذيلة.
ومع مرور الأعوام يبلغ تيتوريل من العمر أرذله ويتنازل عن عرش مملكة الكأس المقدسة لإبنه أمفورتاس الذي يندفع بحماس منقطع النظير للقضاء على كلينجسور. غير أن إمرأة فريدة الجمال في مملكة الساحر تصدّت له فنسى رسالته وهوى بين أحضانها، وسقط الرمح المقدس من يده فالتقطه كلينجسور وطعنه به في جنبه فأصابه بجرح عميق.
ولم تكن هذه المرأة الفاتنة سوى (موندري) رمز الغريزة الجنسية التي سخرت من المسيح المخلّص وهو فوق صليبه فحدجها بنظرة صيت عليها لعنة أبدية. أشعلت في جوانحها الشعور بالإثم الجسيم، فصارت ممزقة النفس بين الرغبة
الجنسية التي تتملكها دون أن تنطفئ أبداً وبين رغبتها في الخلاص من لعنة المسيح لها ومن الندم الذي يطاردها على ما ارتكبت من آثام.
كانت تتصدى للرجال وتتمنى في نفس الوقت أن يصدّوها. ولم يكن أحد من الرجال يملك أن يقاوم سحرها وفتنتها حتى أمفورتاس نفسه. غير أن رغبتها في الخلاص من لعنة
المسيح لها وتأنيب ضميرها الذي كان يقسو عليها جعلاها تحاول التخفيف من الآثام التي ارتكبتها بتقديم الخدمات الخالصة إلى الكأس المقدسة، واكتسبت بذلك طبيعة مزدوجة فكانت خادمة الساحر الشرير كلينجسور، ورسول الكأس المقدسه في وقت واحد،
وكان الفرسان قد فقدوا قوتهم الحقة منذ فقد أمفورتاس الرمح المقدس وأخذ يعاني من العذاب الجسماني والروحاني الذي حاق
به منتظراً في يأس تحقيق النبؤة القاتلة بأن خلاصه سيتم على يد فتى غرير نقي منحته الرحمة الإلهية الحكمة.
وهكذا نجد فاجنر يقدم في أوبرا بارتسفال أكثر أعماله الأسطورية جرأة، نظرة جديدة للعالم ولفكرة الخلاص المسيحية.
يستيقظ ثلاثة من الفرسان الراقدين في الغابة القريبة من قصر مونسالفات على دوي أصوات الأبواق والنفير في القلعة، وإذا بهم أمام (كوندري) التي كانت قد رحلت إلى بلاد العرب بحثاً عن بلسم لشفاء جرح الملك أمفورتاس الذي ينزف من جنبه طوال الوقت على غرار جراح السيد المسيح.
ويأخذ جورنيمانز البلسم منها ويقدمه للملك أمفورتاس، بينما الفرسان غاضبون على كوندري التي طال غيابها ولم تكترث بجراح الملك، غير أن جوريمانز الذي يجهل الجانب الشرير في شخصيتها يدافع عنها مؤكداً إخلاصها مذكراَ بما قدمته في مناسبات عديدة سابقة، فهو يؤمن أن ظهورها بشير بالفأل الحسن
وبينما جورنيمانز يروي قصة محاولة الفرسان قتل كلينجسور ثم إصابته بعد وقوعه في حبائل إمرأة فاتنة إذا بصراخ يدوي بعيداً قرب البحيرة تطلفه إجدى بجعات الغابة إثر إصابتها، وكانت طيور الغابة وحيواناتها المقدسة لا يجوز صيدها، وخاصة البجعة التي ترمز للبشرى والفأل الحسن، وسرعان
ما يأتي الفرسان بالمذنب مرتكب الخطيئة الذي أوقع الإضطراب في صفوفهم فيتضح أنه الشاب بارتسفال الذي لا يعرف إسم أبيه، ولا يدري إلا أن لأمه هي (هرتسلده) (أي القلب المكلوم باللغة الألمانية) فتقوم كوندري لتضيف أن هذا الشاب هو بارتسفال بن جاموريت الذي قتل خلال معركة قبل مولد ابنه، وأن والدته هرتسلده قد شاءت أن تجنب إبنها نفس مصير أبيه فأخذته إلى مكان ناء لا يطرقه الرجال الأشداء.
وذات يوم مضى الغلام في إثر بعض الفرسان المسلحين وهو يحلم أن يكون مثلهم، وراح يجوب الغابات وفي يده قوسه وسهامه يقتات على ما يصيده مرتدياً ثياباً رثه.
ويؤنب جورنيمانز بارتسفال تأنيباً رقيقاً على قتل البجعة فيحني الشاب رأسه أمامه خجلاً، غير أن جورنيمانز حين يعود الملك من الإستحمام في البحيرة، يتوسم في بارتسفال “النفس الطاهرة البريئة” المنتظره، فيمضي به في محاوله للتأكد من صدق خاطره إلى القاعة الضخمة التي أقيمت فوقها قبة مضيئة، وهي محراب الكأس المقدسة، حيث يشهد بارتسفال طقوس الكشف عن الكأس المقدسه بينما يتوافد الفرسان ليتخذوا أماكنهم حول الكأس التي ما تزال مستوره.
ويظهرأمفورتاس محمولاً على المحفه، وهنا نسمع صوت تيتوريل من وراء الستار يطالب إبنه ببدء الحفل غير أن أمقورتاس وهو الوحيد من بين الفرسان الذي ارتكب الخطيئة يجفل متردداً وينتابه صراع وجداني أليم، وما أن يستمع
إلى نشيد ينبئه بالخلاص على يدي شاب غرير نقي حتى يكشف عن الكأس المقدسة التي ما تلبث أن تتألق ببريق خاطف للأبصار.
لكن بارتسفال يتأملها دون أن يبدو عليه أنه يفهمها. فيقف مشدوهاً لا يملك حراكاً، فيغضب جورنيمانز ويتصور أن هذا الشاب أبله ويطلب إليه مغادرة القلعة.
أحداث الفصل الأول:
كتب فاجنر نصه الشعري الأوبرالي على هيئة ثلاثة فصول في جو عام يعبر عن السعي لتحقيق العنصرين الأساسين اللذين يرمز إليهما الجرال وهما الحب والإيمان ، واتخذ للأحداث بانوراما واسعة ذات طابع إسباني قوطي أندلسي تشمل : ساحة الجرال ، والجبل المقدس إلى الشمال ، وقصر الساحر كلينجسور إلى الجنوب.
الفصل الأول:
يعلن فارسان قرب وصول الملك أمفورتاس المريض الذي ينوى الأستحمام من بحيرة الغابة حتى تخف آلامه . تدخل كوندرى وتعطى جورنيمانتس بلسماً للملك الذي يدخل به حملة الهودج محمولاً؛ فيذكر وهو يتأوه تلك النبوءة التي تقول إن شفاءه المأمول يأتي من فتى امي على الفطرة تأخذه به الرحمة .
ويتناول الملك بلسم كوندرى ويشكرها؛ فتأبى، وما يوبخها الفتيان حتى يمنعهما جورنيمانتس؛ فهي لم تخطئ في حق الجرال ، ويحكي جورنيمانتس للفتيه قصة الجرال، فيحدثهما عن تيتوريل الذي قام ببناء صرح ليحفظ فيه الإناء الذي شرب منه المسيح شربته الأخيرة والرمح المقدس الذي أسال دمه ، ويذكر ان تيتوريل جمع صفوة من الفرسان حول صرح الجرال، ينالون من نور الجرال فيما يطعمون قوة خارقة.
ونعرف عن كلينجسور أنه أراد فيما مضى من الزمان أن يدخل في شرعة فرسان الجرال، ولكنه عجز عن التحكم في شهواته، فنبذه تيتوريل، وإذا كلينجسور ينقلب من الضد الى الضد، ويجعل من الانتقام ديدنه، وهو قد عمد الى فلاة قرب صرح الجرال، وحولها بالسحر الى حديقة غناء خلابة،
وتربص هناك بفرسان الجرال يغويهم ليردهم عن النذر الذي نذروه، ويستعين في ذلك بنسوة حسان لهن ألاعيب شيطانية لا يقاومها البشر. وعندما تلقى أمفورتاس عن أبيه تيتوريل تاج الجرال، عزم على على التصدي لكلينجسور الشرير، فنزل ساحته حاملاً الرمح المقدس، ولكنه تعرض للفتنة هو نفسه، واستطاع كلينجسور أن ينتزع منه الرمح، وأن يصيبه بجرح لا يلتئم.
وتتناهى الى السمع صرخات استنكار، وترى الأبصار ذكر بجع أصيب بسهم، وأخذ يترنح متهاوياً وقد أشرف على الموت، ثم يدخل الفرسان والفتيان معهم الآثم الذي اصاب ذكر البجع، وما هذا الآثم إلا بارسيفال (لاحظ ان فاجنر غير اسم بارتسيفال الوارد في الملحمة إلى بارسيفال الذي يعني الساذج الذي كان يجهل ان الصيد محرم في ساحة الجرال ؛ فرمى الطائر رمية قدير متمكن.
فلما بين له جورنيمانتس سوء عمله، حزن وكسر القوس والرمح، وأخذوا يسألونه عن نفسه من هو وماذا يريد، فلم يعرف عن الأسئلة جواباً، إلا السؤال عن امه، قال ان اسمها هيرتسلويده.
وهذه هي كوندرى تعرفه، فهو ابن جاموريت ربته امه على الفطرة،وحرصت على ان يجهل اصله ونسبه حتى لايسلك سبيل أبيه ويتركها وينطلق إلى ساحة البطولة فلا يعود.. ولكن حرصها لم يُجد نفعاً .
فقد رأى الصبي ذات يوم رجالاً مسربلين يمتطون متون الخيول، فقرر ان يكون مثلهم؛ وصنع لنفسه قوساً ورمحاً ، وترك أمه وخرج لهذه الحياة التي اختارته لها المقادير، وترك أمه تقطع الأحزان ونياط قلبها ، ولم يعلم أنها قضت نحبها حزناً عليه.
فلما سمع بارسيفال حديث كوندرى، انقض عليها يوشك أن يخنقها، فأنقذها جورنيمانتس، ولكنها ردت على السوء بالأحسان، وقدمت الى العطشى ماء قراحاً، وراحت الى حال سبيلها ، وصحب جورنيمانتس بارسيفال الى القاعة التي التقى فيها أمفورتاس بالفرسان وقد تجمعوا يلتقون يلتمسون نفحة من ذلك الطعام المقدس الذي يعطي قوة خارقة.
ويصافح الأذن صوت تيتوريل تناهى من قبره الذي كان يتوسده حياً بعد موته، وتلك معجزه من بها عليه المسيح، وكان تيتوريل يوجه كلامه الى ابنه أمفورتاس يأمره بأن يقيم شعائر الجرال، ولكن أمفورتاس أصبح يتردد عن هذا العمل الجليل، فقد اشتد شعوره بالذنب، واسترسل في الشكوى من جرحه الأليم، ولكن أباه حضه على الصبر حتى النجاة.
وكشف أمفورتاس الغطاء عن الجرال، فأضاء بنور قرمزي، وهلل تيتوريل للمعجزة التي تحمل المنة الى المشوقين إليها، حتى اذا انطفأ الجرال بدأ الفرسان في تناول الطعام ثم تعانقوا وافترقوا بعد قبلة الأخوة. أما بارسيفال فقد أخذته الدهشة وهو ينظر إلى شعائر الجرال، وانقبض قلبه وهو يسمع شكوى الملك ولكنه لم ينطق بشئ، ولم يلق السؤال الذي لو ألقاه بفطرته لكانت فيه الرحمة ولنجا الملك .
ولهذا أخرجه جورنيمانتس من القاعة وهو يلومه على جهله الذي سيطيل عذاب الملك.
أوبرا بارسيفال
رتشارد فاجنر
الفصل الثاني
وبينما الفصل الثاني في طريقه إلى مواقع الإيواء.
أحب أن أتحدث قليلاً عن موسيقى فاجنر، الذي اختلف فيه الكثيروانقسم الناس مابين مؤيد ورافض لأعماله.
أولاً
قطعنا سوياً شوطاً لا بأس به في إستعراض الأوبرا الإيطالية وكان لها الصداره، ثم الأوبرا الفرنسية في أوبرا كارمن لبيزية وأوبرا شمشون ودليله لكاميل صنست، وفي الأخير ، الأوبرا الألمانية ، تمثلت في سالومي لشتراوس وموزارت في الناي السحري، وكلها امتازت بأغاني (آريا) أصابت شهرة عالمية بلا منازع
فما الذي وجدناه في أوبرات فاجنر؟
أعتقد أن فاجنر لم ينل إعجابكم ، وكان مخيباً لظن الكثيرين ممن شاهدوا الفصل الأول من بارسيفال، ولا عجب في ذلك.
وإذا كان الأمر كذلك، فمن أين حقق فاجنر هذه الشهرة الطاغية في تأليف الأوبرات؟
سؤال يصعب الإجابة عليه من سماع ومشاهدة عمل واحد فقط.
ولا أخفيكم، أنني بدأت أتذوق موسيقاه بعد ترجمتي لأوبراه، وكان لكثرة تردد السماع للمقاطع الموسيقية أثناء الترجمة ، الفضل الكبير في ذلك.
الأمر الجلي في موسيقاه هي ( الدراما الموسيقية) التي تعتبر هي البطل الرئيسي في جميع أوبراه ، وأقصد بالدراما الموسيقية ، أن مساحتها في العمل تطغي على الغناء (السولو)الذي يقوم به المؤدين، بعكس الأوبرا الإيطالية مثلاً ، والتي تعتمد على الغناء ـ فالموسيقى فيها تخدم المغنين مهما كان لها دور. إلا أن المستمع يظل منتظراً حتى يصدح التينور أو تصدح السوبرانو، بالأغنية الأثيره.
وهذا غير موجود في أوبرا فاجنر.
الموسيقى الدرامية هي التي تحكم الأبطال ، وليس العكس
يقول النقاد أن فاجنر استحدث من جديد الدراما الموسيقية بعد أن طغى الهزل في العديد من الأوبرات ما قبل وأثناء فترة فاجنر ، ولم يشذ عن الهزل الرخيص سوى القلة من أمثال روسيني ويلليني وفيردي ، وغيرهم،.
وكان لفاجنر رؤية خاصة في أن يكون للموسيقى الدرامية دور أكبر مما كانت عليه الأوبرا في وقته. ولن نفهم الدراما الموسيقية التي ذكرناها إلا بالإستماع إلى العديد من أعماله.
ثانياً
النقطة الثانية في أوبراه هو تناولها لمواضيع فلسفية تدور حول الشر والخير في نمط حكايات أسطورية مأخوذه من الفلكلور الأوروبي عامة والألماني عل وجه الخصوص
مما جعل أوبراه تصطبغ بالغموض والكناية.
أخيراً أقول أن الكثير قد لا يوافق على البعض من الأفكارالدينية وبالذات في أوبرا بارسيفال، ولا يعنينا هذا الأمر كثيراً بقدر ما تعنينا الموسيقى والأنغام في إبراز تراث عالمي قديم قد يختلف الكثير فيه .
وتعتبر أوبرا بارسيفال واحدة من جلائل الأعمال الموسيقية وإن بدت قصتها مثيرة لإستهجان البعض الذين ينظرون إليها بوصفها أوبرا منحله أو غير أخلاقبة،
وقد إنتقد نيتشه هذه الأوبرا واعتبرها إنتهاكاً للأخلاق
وكتب ثروت عكاشه عن هذا في كتابه موسوعة فاجنر الموسيقية:
((والواقع أن كثيراً من شخوص فاجنر تبدو لنا دوافعها المسرحية في عصرنا هذا تنطوي على قدر من الغباء. فنحن اليوم لا يعنينا كثيراً على سبيل المثال أن يقوم “بارسيفال” بإفتداء العالم. كما أن فكرة “الفداء “في حد ذاتها كما يفهمها فاجنر وسائر علماء اللاهوت ، لم تعد تعني اليوم شيئاً ولا تؤثر في تذوقنا لأي عمل فني .
إذ أننا نتذوق هذا العمل بصرف النظر عن موافقتنا أو عدمها على الفكرة الفلسفية أو الدينية التي يعتنقها مؤلفه.
فأي إنسان غير مسيحي تهتز مشاعره من أعماقها عندما يستمع إلى هذه الموسيقي، مثلما تهتز لها مشاعر أي مسيحي.
فليست القصة أو الحكمة الفلسفية أو الدينية هي ما تعنينا من هذا العمل الفني ـ بل الطريقة التي يعالج بها الفنان هذه القصه أو هذه الحكمة الفلسفية أو الدينية))
وأقول أنا بدوري: أن تراثنا الأدبي والفلسفي والديني زاخر بالكثير من القصص والأنماط التي تصلح أن تكون محوراً لأعمال فنيه، ولم يُسخر الله بعد من ينفض التراب عنها. بدلاً من تلك الأعمال الغثة الرديئة التي تمتلئ بها مسارحنا ودور السينما.
أحداث الفصل الثاني:
يتتبع كلينجسور في مرآة سحرية حركة بارسيفال ويراه يقترب،
وهو يعرف الغاية التي اختاره له القدر.فيدبر لغوايته، ويطلب من كوندري أن تغويه،كما غوت أمفورتاس من قبل.
وكما سخرت من المسيح منذ أمد بعيد.
ولقد كرهت هذا الشر الذي اضطرت إليه والذي جمَّلها بالنقمة
وظلت تسعى للخلاص ما استطاعت، تريد الحب الطاهر فلا تعرف إلا الحب الدنئ، والعالمون بأسرار القدر يعرفون أنها يمكن أن تنجو إذا تصدى لغوايتها فتي نقي السريرة فصمد لغيها وامتنع في النهاية.
كانت كوندري تطيع كلينجسور طاعة السجين للسجان، ولكنها كانت تجاهد من أجل الخلاص فلا تفلح ، وهاهوذا بارسيفال على شرفة حديقة الفتنة يرى حسناوات لم ترى عينه أجمل
منهن جمعن فى خلقتهن المختلطة طلاوة الغوانى إلى حسن الزهور، ويرى الفرسان يلهون معهن . ويوشك بارسيفال أن يقع فى الفتنة؛ فقد أقبلت عليه كوندرى تدعوه أن يبقى وتفترش معه فراشاً من الأزاهير وتقص عليه أخبار أهله . ويرهقه خبر موت أمه بألم بالغ، وتقّبله مدعية أن تلك بركة من أمه،
ولكن بارسيفال ينجو فى النهاية من غوايتها، إذ تراود خياله صورة أمفورتاس 0 ويدرك بفطرته محنة الملك، ويصور له الأمل سبيلاً إلى إنقاذه منها، ويحاول كلينجسور أن يصيب بارسيفال بالرمح كما أصاب به أمفورتاس من قبل . ولكن الرمح يمتنع ويظل معلقاً فى الهواء فيمسكه بارسيفال بإيمان ويلعن الحديقة فتعود صحرا ء كما كانت
الفصل الثالث والأخير
مسرد:
وهذا هو بارسيفال يضرب فى الأرض، في سعي رسمته الأقدار,
فيرى فى الطريق صومعة جورنيمانتز التي يخلص فيها إلى نفسه متعبداً.
ويرى جورنيمانتز ببابها يرهف السمع فيكتشف كوندري في خميله كالميتة تتاوه؛ فيدعوها ويردها إلحىاة فتنذر نفسها للعبادة ، وبينما هي تجول ببصرها في الرحب ترى فارساً قادماً وقد تدجج بسلاحه في هذا اليوم ، يوم الجمعة الحزينة، الذي لا يجوز فيه حمل سلاح، فتبلغ جورنيمانتز الذي يحض الفارس على إلقاء السلاح، فيستجيب ،
إنه بارسيفال جال جولاته ، ووصل إلى مايوشك أن يكون غايته وعرف من جورنيمانتز أن تاج الجرال فى اذتظاره فقد تخلى أمفورتاس عن ممارسة الشعائر القدسية . ولم يعد يمنح الفرسان من الجرال ما يرجونه من قوة ، وعلم أن تيتوريل ظمئ إلى مشرب من الجرال ، فلم يرتو، وتقطعت ما بينه ومابين أسباب الحياة.
وعرف قبل هذا وذاك حقيقة ما ارتكبه في حق أمفورتاس عندما تقاعس عن السؤال،
فلما علم ما لم يكن يعلم، صحبه جورنتمانز إلى النبع المقدس ، أما كوندري فغسلت رجليه وأما جورنتمانز فعطّره وألبسه التاج ليكون ملك الجرال، وذهب ثلاثتهم إلى أمفورتاس، فوجدوه قد امتنع رغم الإلحاح عن ممارسة الشعائر، ورأوا الحزن قد استبد به لموت تيتوريل الذي حملوا جثمانه للجنازه، وكان أمفورتاس يطلب أن يضربوه قصاصاً حتى يرتاح، فلما أقبل بارسيفال ووضع الرمح على جرح أمفورتاس فالتأم، وتولى هو شعائر الجرال الذي أضاء بنور لم يعهده أحد من قبل.
ونجت كوندري وحلقت الحمامه الجرال فوق هام بارسيفال